- قصة قصيرة - فى مكانٍ آخر
جلس أسفل الكوبري و الذي ينقل الناس من الخرطوم و اليه، لفترة ظل صامتا يعد المركبات بصوتها، الى ان بدأ يميز الداخل منها و الخارج، توقف عن الإنتباه لحساب سماع الاصوات عند بدايات وصول صوت موسيقى صادرة من يخت فارهٍ و كأنه سَحاب يفضح للنيل عورة من المنتصف، وكان كلما إقترب تصله مسيقيً و كأنها ترجوه النهوض و الرقص، او حتي رمي يدٍ لسلام، تبين قارئً أسمها المنقوش و البشر ميسوري الحال فوق سطحها و لم يقف ابدا. تذكر حبيبته الاولى أيام الدراسة وهو يقف فى إنتظارها الساعات الطوال، قادمة إليه بخطوات لا تبالى الا بصنعة الهوينى، فيصل عطرها، ثم وجهها الجميل، و هي كاملة تقول و تسأل : كيفك إنت !
ظل يراقب اليخت الى ان وصل أمامه مباشرة و سؤال : (( من هم ! )) يعجزه من القيام، الموسيقى اعلى من صوت محركات الدفع و صداها يضرب جهة ما فوق الكبري لتاتيه و لتعود مرة اخري مكررة بصوتٍ أشف صادرة من الضفة الاخري، على سطح المقدمة مجموعة تتراقص و آخرون يقفون ممسكين على الأطراف و كأنهم متأملون و أخري تجلس على المؤخرة فى سمر و مرح.
تمنى لحظة أن يقف و يُظهر حاله من بين الحشائش ملوحاً يسأل : (( كيفكم انتوا ! ))، و لكن الامر هنا يتطلب شجاعة و جرأة و سرعة، فقد غادر اليخت نطاق أن يسمعوه وحتى لو صرخ.
إختفت المقدمة براقصيها من الصورة وهم يتجهون غرباً، و عند ضرب الموجة الضخمة الصادرة منهم على الشط بقربه، إختفت الموسيقى تماما و لم يتبقى غيرهم السُمار أشباحاً على مؤخرة لا يصدر منها غير أزيز قبيح و كأنهم سَحاب يشق النيل لنصفين و بقايا من خجل و زبد.
أرجع رقبته بكامل وجهه إلى الشرق و كأنه ينتظر آخراً .....
لم يصدق ان على بعد خطوات منه مركب صيد خشبي عليه إثنان، أحدهما يجدف و الآخر يرمى بالشبكة، وقف يسألهما : (( كيفكم إنتوا ! إنشاء الله الخير باسط !))
- و الله تمام يا أبن العم، الخير باسط و النيل ما بخيل ..
قاطعه المجدف :
- النيل ما بخيل ! و الله لو ما الاولاد الـ ........... كنا شلنا سمكنا و بعناه و مشينا بيوتنا ...
سأل: اولاد منو !
أجاب المجدف : اولاد السجم و الرماد العدو من هنا .. طفشوا السمك ..
قاطعه رامي الشبكة :
- قول خير با عبدالرحمن ، قول خير ...
- خير ....
رجع خطوات بدون ان يسترسل معهما فى الحديث الى مكانه و جلس ظاناً بانه ربما نادم فى السؤال، بهدؤ ظل المجدف على مؤخرة القارب يمسك بالخشبتين و يضرب على الماء و كانه يمسح سطحها و يدعو الاسماك أن تهدأ و تدخل الشبكة. أما الرامي و من بعد رميه للشبكة الاولى و تحديدها بكرات صفراء عائمة، إنشغل بهمة يفكفك و يعدل كومة شبكة أخري لتُرمى فى مكانٍ آخر.
رضوان عبدالعال همت