ذيل الضب
هدير الطائرات مسكون على جميع جدران هذا الدار لا أقصد رمزا، بل شقوق واضحة، و السبب يعود كما أعتقد لانه جزء تم بناءه كملحق ، بناء هذا المنزل كان فى فصل الصيف أما غرفتى فكان شتاء، لا أعرف سببا بان يكون الشق بهذا الشكل فقط هنا – إنها مشيئة الاقدار - ، من المتحمل بانه عيب البناء فى فصل الشتاء، الم تشاهدوا كثيرا عمال البناء وهم يعملون تحت الشمس الحارقة يتصببون عرقا فى عز الصيف، بالتأكيد هذا هو السبب، لا أذكر باننى رأيت عمال بناء و هم فى حالة من البرد! من الذى يمتلك رقبة تمكنه من الإطلاع عما يدور حوله فى فصل الشتاء، لا يمكن ابدا ان لا يكون هنالك عمال بناء فى فصل الشتاء – هذا غير مهم بالمرة -
رمى ذيله لى و رحل ، أنه ضب ظل خلال أكثر من شهر يحاول الخروج من الغرفة و هداه حظه العاثر الى ان يدخل فى الجزء العلوي من الشق، ظل عالقا لأكثر من يومين الى أن رمى ذيله و رحل الى الدنيا الآخرة، و بحكم معرفتى و لصقى و مشاهدتى لتفاصيله و عيناه الجاحظتين ، ظللت لاكثر من شهر أشاهد شريطى النمل هنا، الذاهبون اليه فى عجلة من أمرهم و القادمون منه يحملون جزء منه الى حفرة أسفل باب الخشب المتداعى، و عندما تم الإنتهاء منه و دفنه هنالك على طريقتهم ، بداء يساورنى الملل و القرف لعدم توفر ما يمكن مراقبته هنا. فكرت جديا فى إستخراج جثته من ذاك المكان العالى و رميه للنمل و انا اقول - إذا هم أنهوا الذيل فى شهر فما بالك بالجثة كلها - .
بسعادة لا تضاهى كان النمل الناهش للذيل يمارس عمله دون توقف، و كان عسيرا علىء محاولة عد مرات التحميل بالنسبة للنملة الواحده، و لكنى توصلت الى أن العمل منظم و مقسم بالتساوى بينهم لانهم يسيرون فى خط واحد. النملة تحمل بفمها جزء من الذيل و دون ان تعير انتباها للصف المعاكس لاتجاهها – المهرولون الى جهة الذيل – تشد عزمها الى جهة أسفل الباب الخشبى، عبارة عن كومه من التراب ملء ملعقة أو أقل يتوسطها حفرة تسعهم و هم حالة من دخول و خروج و المسرعون الى التحميل و كأنهم جياع، تتلاعب بهم السنتهم و عيون تختلس ما يحمله زملاؤهم الى الحفرة، و هكذا كان تبادل الادوار عند توقيت معين و محسوب بدقة الإلتزام بالخطو و مسايرة من هو بالامام و نبذ شبه مطلق للتخاذل و نكران كامل للذات !
ما قبل مشاهدتى للضب كنت لا أبالى بحالى و لا بحال من هم بجواري و لم تكن غيرها الطائرات الهابطة دليلى لزمن دقيق، و ربط الزمن بمستويات مختلفة من الهدير، يوم الثلاثاء مثلا كانت تلك الطائرة الضخمة و فى تمام الساعة العاشرة و النصف تماما تعلمنى بالوقت و تعجبت فى بادي الامر كيف انها قادمة من بريطانيا – على حسب ما قاله بائع البطيخ - و تأتى من جهة الجنوب لتهبط، و عرفت بأن المسالة و السبب بسيط جدا وهو بسبب المدرج فقد بنوه بذلك الخط – جنوب شمال-، و دون شك فاللملكة اليزبيث دور فى قتل ذاك الضب و فى إسعادهم جيوش النمل و خلق وظائف لمدة سعدوا فيها اينما سعادة – نعم - و لها الفضل فى جلستى هذه على الشارع .
لا علاقة بالفعل لما بدأت أشاهده من فوق- قوز- الرمل بما كان يحدث بغرفتى، و لن تهتز شعرة منى لتحاملى على ملكة بلاد الفرنجة بقتلها للضب، و كأنه مدفون فى أعماق- قوز -الرمل الأحمر والذى كنت أجلس عليه، و هاهو ممسوح على جسد هذا الجدار الانيق – بدون فائدة – ليس الإ سور خاوي يقوم بحراسة اللاشى بدواخله، ربما ظن مالكه أنه و بوضع هذه الاسلاك الشائكة و بهذه الطريقة الشائنة توج ملكا على شارع لا يحتمل أكثر منى و بائعة شاي و وسيط لا يكسب الا القليل فى موسم بيع البطيخ.
الذين اكتشفتهم على طول هذا الشارع بعد حادثة الضب المأساوية و بفضل كوم الرمل الراحل – أستخدم بالفعل فى بناء سور لبيت احلام احد الناس – لاحظت شغفهم بالعمل لا يكلون و لا يملون و يحاولون بقدر المستطاع كسب الزبون، بائعة الشاي مثلا، لا تتردد فى ان تناولك كوب الشاي رقم 50 وعلى الحساب، لا أعرف سر سردها و إفتخارها و هى تقول و بدون مقدمات – و الله راجلى كان بيقطع البحر و يرجع عوم ساآي -، عند سماعى للقصة مع كوب الشاى الاول معها أفرحتنى كثيرا بما ظلت تردده عن شجاعة زوجها، و لم اود معرفة المزيد من خلال كوب الشاى الاول، رجعت اليها مساء اليوم الثانى و أنا على يقين بمعرفة المزيد عنها، طلبت كوب الشاى الثانى، الا انها بدأت بإعادة سرد القصة نفسها عن زوجها الذى كان يسبح من الضفة الى الاخري و يعود دون توقف، لا أعرف ما الذى اصابنى عند سماعى لقصتها معادة، الذى اذكره باننى لم استطع إكمال كوب الشاي ذاك، و أنه مذ ذلك اليوم لم أرغب بل كرهت مشاهدتها و قمت بتطويل الطريق الى غرفتى بتغييره و هى الجالسة على ناصية الشارع الفرعى و الذى لا يبعد كثيرا من الطريق الرئيسى المؤدي الى المطار الدولى.
ما الضرورة الآن فى التحدث عنه ولو قليلا – بائع البطيخ - ! لا أهمية لذلك فهو إنسان عادي و بسيط لدرجة لا تصدق، يحضر معه جردل ماء و عدد من جوالات الخيش الفارغة و ينتظر اللورى لإستلام ما يجود به السمسار مالك اللورى و يقوم بمحاسبته فى اليوم الآخر مع خصم التالف.
كانا يمتلكان جردلى ماء شديدي القذارة و الشبه، و لا أظن بانهما كانا يشتريان الماء، كانا يملآنه بدون مقابل من النيل، و ما الضير فى هذا ! النيل الشرب منه حلال مذ بدء الخليقة، النيل الذى لم يقدم أية مساعدة للطامعين و الغزاة و المستعمرين كان يستهزاء من كل الدخلاء وهو يجري شمالا، و هم بعيونهم و رأسمالهم الجشع كانوا عند كل خطوة نحو الجنوب، يصهرون الحديد قضيبا و يبنون القطارات لنهب موارد بلادنا، النيل ماء لم يلعنهم و لم يابى سقيهم، كان مشرعا معلنا من الازل نقاءه و جريانه نحو الشمال.
كنت أظن فى اليوم الذى وقع فيه الذيل ارضا باننى لن أتمكن من السكن فى هذه الغرفة بسبب العفن و بالفعل إنتظرت ليومين و ثلاثه و أسبوع و بدأت أقترب من شق الجدار أشتم رائحته ، و بدون سبب بدأت أحب الجلوس على – قوز - الرمل فى الشارع أستقبل تحيات سكان الشارع و أرد بأحسن منها. و كانت حركة السيارات الى و من المطار ليلا تذكرنى بحادثة الذيل ، و من خلال بعض الفضول قادتنى شجاعتى الى المطار، كان كل شى اعتياديا، عند صالة القادمين لا شئ يذكر و عند صالة المغادرين شاهدت عمالا أجانب يقومون بمسح السيراميك و الحائط من القرميد المزجج.
رضوان عبدالعال همت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
سعيد بتواجدك هنا، و رأيك النقدي يمثل لي دافعاً عظيما ..
تقديري و احترامي ،،